الأحد، 13 نوفمبر 2016

استخدامات مفيده لثانى اكسيد الكربون كمصدر للطاقه

CO2: من ملوّث إلى مصدر للوقود


هذا التفاعل يحتاج إلى القليل من الدعم الخارجي عبر جهد كهربائي منخفض
كل عمليات الاحتراق، بغض النظر عن الوقود المستعمل، تنتج ثاني أوكسيد الكربون، المسؤول الأول عن ظاهرة الاحتباس الحراري. إلا أن قفزة نوعية في مجال البحث الكيميائي سمحت مؤخراً بالوصول إلى تفاعل معين يؤدي إلى تحويل ثاني أوكسيد الكربون إلى مادة الإيثانول وهي مادة كحولية يمكن استعمالها كوقود بديل من المواد الهيدروكربونية التي نستعملها بشكل مكثف اليوم


عمر ديب
تحويل ثاني أوكسيد الكربون (CO2)إلى مادة الإيثانول هو بمثابة تحويل "النقمة" إلى "نعمة" في المستقبل القريب، إذ إن تطبيق هذا الاكتشاف على نطاق واسع، في حال النجاح في رفع كفاءته مستقبلاً وتطبيقه صناعياً، سوف يساهم في خفض نسب الغازات الدفيئة التي تمتص أشعة الشمس وترفع من درجة حرارة الأرض، وستؤمن مصدر مستدام للطاقة، بعكس الوقود الأحفوري الموجود في باطن الأرض، والذي سينضب خلال عقود قليلة.

لن يؤدي هذا الاكتشاف إلى حل أزمة الاحتباس الحراري، لأن الإيثانول المنتج سوف يولّد ثاني أوكسيد الكربون من جديد بعد استعماله، إلا أن هذه العملية تؤدي بالمجمل إلى تصغير كمية الانبعاثات من خلال التوازن بين عملية استهلاك ثاني أوكسيد الكربون وانبعاثه من احتراق الوقود المنتج، خاصة إذا تكاملت مع مصادر الطاقة النظيفة الأخرى. وهذه العملية بحدّ ذاتها تعتبر إنجازاً نوعياً بيئياً وذات جدوى اقتصادية جيدة.

الاكتشاف الجديد

حصل هذا الاكتشاف الكيميائي عن طريق الصدفة، إذ كان العلماء في مختبر "أوك ريدج" في الولايات المتحدة يعملون على اختبار لتحويل ثاني أوكسيد الكربون المذوّب في الماء إلى "ميثانول"، وهو مادة كيميائية تطلقها البراكين وبعض أنواع الميكروبات، ويمكن أن تسبّب العمى للإنسان في حال استنشاقها. وكانوا يعتقدون أن اختبارهم هذا هو مرحلة أولى من عملية أطول وأعقد من مراحل عدة، وباستعمال عدة مواد محفزة لتحويل ثاني أوكسيد الكربون إلى وقود. إلا أن ما تبين لهم وما فاجأهم خلال الاكتشاف، هو أن اختبارهم الجديد هذا أنتج "الإيثانول" من خلال مرحلة واحدة وبكفاءة عالية، ومادة محفزة واحدة هي النحاس، من دون الحاجة إلى المحفزات المرتفعة الثمن والنادرة الوجود مثل البلاتين الذي يعدّ استعماله ضرورياً في تفاعلات أخرى. وما فاجأهم أكثر هو أن هذا التفاعل يحتاج إلى القليل من الدعم الخارجي عبر جهد كهربائي منخفض، وعلى درجة الحرارة الطبيعية في المختبر.
لتحفيز التفاعل هذا استعمل العلماء شريحة صغيرة مصنوعة من السيليكون بمساحة حوالى سنتيمتر مربع واحد، ويتكون سطحها من نتوءات صغيرة جداً تفصل بينها مسافات تقاس بالنانوميتر (Nanometer) الذي يساوي واحد من مليار من المتر، أو ما يوازي قطر بضع ذرات. تتشكل هذه النتوءات من مادة الكربون والنيتروجين، وعلى رأس كل منها يجري تثبيت كرة فائقة الدقة من النحاس. توضع هذه الشريحة في الماء ويجري ضخ ثاني أوكسيد الكربون داخل الماء، أما النحاس الموضوع على النتوءات فيقوم بجذب التيار الكهربائي ويجمع ذرات ثاني أوكسيد الكربون حوله ليلعب دور المحفز، فيطلق عملية تفكيك ذرات الماء والكربون ثم إعادة تشكيلها في جزيئات الإيثانول مستفيداً من الطاقة المتوافرة من الكهرباء.
هذا التفاعل الكيميائي الحاصل هو عكس عملية الاحتراق تماماً، حيث يؤدي الاحتراق إلى تحويل الإيثانول والأوكسيجين إلى ثاني أوكسيد الكربون وماء وطاقة، مثل كل عمليات حرق الوقود الأخرى. أما هنا، فالمعادلة تجري في الاتجاه المعاكس.


تطبيقات متاحة

لا تحتاج عملية تحويل ثاني أوكسيد الكربون إلى إيثانول إلا إلى مصدر كهربائي بجهد منخفض، وبالتالي يمكن أن تتم الاستفادة من الإنتاج الكهربائي الفائض خارج ساعات الذروة، وتسخيره لإنتاج الإيثانول ثم استعمال الإيثانول المنتج في توليد الطاقة خلال ساعات الذروة لتأمين الطلب المرتفع. كذلك يمكن أن تتكامل هذه التقنية مع مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، مثل طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية التي قد تنتج كميات كبيرة من الطاقة في أوقات معينة، وتتوقف عن العمل في أوقات أخرى مع تغيّر الريح أو غروب الشمس.


يمكن استعمال الإيثانول كوقود رئيسي في قطاع النقل
لذلك، وفي ساعات الإنتاج القصوى، يتم استثمار الطاقة الكهربائية القصوى والفائضة لإنتاج الإيثانول الذي يمكن إعادة استعماله لإنتاج الطاقة مع توقف المراوح عن الدوران أو مع غياب ضوء الشمس. كذلك يمكن في حال إنتاج كميات وفيرة أن يتم استعمال الإيثانول كوقود رئيسي في قطاع النقل، حيث يجري تطوير محركات للسيارات تعمل على الإيثانول أو على خليط من البنزين (الأوكتان) والإيثانول، وهذه المحركات موجودة منذ سنوات ويجري استعمالها في وسائل النقل في عدة دول، خاصة في الولايات المتحدة والبرازيل وغيرهما من الدول التي تنتج الإيثانول عن طريق تخمير المحاصيل أو المخلفات الزراعية لديها.

الصورة ليست وردية تماماً

تطرح مسألة الاحتباس الحراري وخطر نفاد الوقود الأحفوري مستقبلاً ضغوطاً باتجاه ضرورة إيجاد البدائل، وتعتبر من الهواجس العلمية والشعبية المطروحة اليوم، لذلك يأخذ كل اكتشاف جديد مرتبط بحلول لهذا الموضوع صدى واسعاً وتفاؤلاً بنتائجه. كذلك تعزز مراكز الأبحاث وشركات الطاقة من هذا الجو التفاؤلي من أجل استقطاب المزيد من الدعم الحكومي والاستثمارات الخاصة. ونتيجة لذلك، رافق هذا الاختراق العلمي المحقق مواكبة إعلامية أظهرته على أنه هو الحل الذي سوف يتيح إنتاج وقود من ثاني أوكسيد الكربون مع حاصل إيجابي من الطاقة، إلا أن ذلك غير صحيح علمياً. على سبيل المثال، وفي حال التطبيق الواسع للاكتشاف، الطاقة الكهربائية المستعملة لإنتاج برميل من الإيثانول هي أكبر من الطاقة التي سوف ينتجها حرق هذا البرميل، وهو ما يعني أن حاصل الطاقة سلبي. وهذه الحقيقة لا يمكن الالتفاف عليها أو تعديلها، لأنها من القوانين العلمية الأساسية في الطبيعة. وبالتالي، لا جدوى من استعمال الطاقة الكهربائية المولدة من المحطات الحرارية التي تستعمل وقوداً أحفورياً لإنتاج إيثانول.
لذلك، تصبح الطريقة الوحيدة لتحقيق إنتاح كفوء من الإيثانول وتخفيض نسب ثاني أوكسيد الكربون من الهواء، هي استغلال الطاقة الفائضة عن الحاجة أو تلك الكامنة في المحطات الهوائية أو الشمسية، والتي لا تتم الاستفادة من كامل طاقتها التشغيلية خارج ساعات الذروة لإنتاج الإيثانول. وفي هذه الحالة، يصبح من الأجدى اقتصادياً استغلال هذه الطاقة بدل تركها تذهب هدراً من دون استغلال. السيناريو الأمثل في سياسات الطاقة المستقبلية، بعد تحقيق هذا الخرق العلمي، هو المزيد من التوسع في مصادر الطاقة المتجددة، وتكامل هذه التقنية معها لتخزين الطاقة الفائضة على مستويات واسعة وتجارية، ما يؤدي فعلاً إلى توفير الوقود الأحفوري وخفض الانبعاثات المضرّة بالتوازن الإيكولوجي في كوكبنا.
هو اكتشاف علمي مهم، إلا أن إنتاج الإيثانول من ثاني أوكسيد الكربون لن يكون حلاً وحيداً لأزمة الطاقة وندرتها، كما هي الحال مع مصادر مستقبلية واعدة  بل سيكون حلاً مساعداً وتكاملياً إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة والمستدامة.

من الجزائر إلى بيروت

جاء في تقرير صادر عن البنك الدولي أن تغيّر المناخ يتسبّب في خسائر هائلة في المنطقة العربية، ويمكن أن يؤدي إلى إثارة الاضطرابات. ومع تغطية الصحاري لمساحات شاسعة، أصبحت الأراضي الصالحة للعيش في المنطقة لا تقدر بثمن. وفي عالم حرارته أعلى بمقدار 1.5 درجة مئوية، تشير تقديرات البنك إلى أن المزيد من الأراضي في المنطقة ستصبح غير صالحة للعيش بسبب موجات الجفاف الأطول أمداً والأكثر تكراراً والأشد حدة. سيؤدي ذلك إلى زيادة الهجرة إلى المدن المزدحمة في المنطقة. وبالفعل، فإن أنماط التمركز الاقتصادي والبشري على طول السواحل بشكل خاص تجعلها معرضة لارتفاع مستوى البحار. ومن المتوقع أن يرتفع مستوى المياه في البحر المتوسط بما يتراوح بين 0.2 متر و0.5 متر، وهو ما قد يؤثر، في غياب إجراءات التكيّف، على ما يقرب من 25 مليون إنسان على طول السواحل من الجزائر إلى بيروت. فضلاً عن تشريد الملايين من البشر، فإن الخسائر في الأراضي والممتلكات والأصول الحضارية القيّمة ستصل إلى مليارات الدولارات. وقد باتت الموارد التمويلية المخصصة والسياسات التي تركز على بناء القدرة على الصمود تمثّل أولوية مهمة للتصدي لهذه التحديات أكثر من أي وقت مضى

منقول

ليست هناك تعليقات: